لا شك أنّ عملة كوين () قد اكتسبت شعبية كبيرة بعد الضجة التي رافقت ظهورها الأول أواخر شهر أيلول الماضي، والذي طال انتظاره كثيرًا. لكن، ماهي حقيقة؟ وهل يجب عليك الاستثمار بهذه العملة؟
نبذة
بالنظر إلى السنوات العشر الماضية وما قبلها، نرى بوضوح أنّ مجال التقنيات قد شهد تطوّرات كبيرة أدّت إلى حدوث ثورة تقنية في عصرنا الحالي. من أهم هذه التقنيات التي جذبت انتباه العديد من المستخدمين كانت تقنية البلوكتشين (blockchain)، مع كل ما تحتويه من تقنيات فرعية كبيرة مثل العملات الرقمية والـ NFTs، وخصوصًا مع ميّزة اللامركزية التي تتمتّع بها. بالإضافة إلى ذلك، فقد اكتسبت تطبيقات اللياقة البدنية شهرةً كبيرة في جميع أنحاء العالم، حيث تعد فكرة استخدام الأجهزة الذكية كالهاتف المحمول أو ساعة اليد لتتبّع مقدار التمرين الذي تمارسه سابقةً جديدة لم تشهد لها مثيل.
مع ازدياد شعبية أجهزة تتبع اللياقة البدنية وقوة العملات الرقمية، ربما كان متوقعًا أن يظهر مشروع جديد يقوم بدمج هذه التقنيتين مع بعض. كان تطبيق Triffic من أوائل مشاريع العملات الرقمية الخاصّة باللياقة البدنية، تم إطلاقه في عام 2017. يُتيح هذا التطبيق لمستخدميه إمكانية الحصول على مكافآت على شكل عملات رقمية، وذلك من خلال ممارسة رياضة المشي.
أمّا في عام 2022، فقد انطلق تطبيق (Step App (FITFI، وهو عبارة عن مشروع يجمع بين التمرين الرياضي وجمع الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وقد لاقى رواجًا كبيرًا لدى الكثير من المستخدمين. ونتيجة لذلك، فقد ظهرت مشاريع ربحية أخرى تجمع بين اللياقة البدنية وكسب العملات الرقمية.
هنا، يأتي دور مشروع الذي انطلق بداية عام 2015، وهو عبارة عن تطبيق يكافئ الأشخاص بنقاط يتم احتسابها عن طريق ممارسة التمارين أو المشي، مع إمكانية استبدال هذه المكافآت بمجموعة متنوعة من السلع، الخدمات أو الهدايا. من الجدير بالذكر أنّ تطبيق لم يتخذ خطواته الأولى في عالم العملات الرقمية إلاٌ مؤخراً. في أبريل 2022، أعلنت الشركة المسؤولة عن بأن المشروع سيدخل عالم البلوكتشين، وسيكون للتطبيق عملة مشفرة خاصة تُدعى، حيث سيتمكن الأشخاص الذين حصلوا على مكافآت نقاط التطبيق من استبدالها مع عملتهم الرقمية.
واحدة من الحقائق المتعلّقة بـ تشير إلى أن الرمز يعتمد على بلوكشين الايثيريوم (ETH) و بروتوكول نيير (NEAR)، ما يعني أن ماهي إلّا رمز (Token) وليست عملة حقيقية. تتمثّل إحدى الفروقات الأساسية بين الرمز والعملة بأنّ العملات الرقمية هي الأصل الأصلي لشبكة البلوكتشين، مثل البيتكوين أو الايثيريوم. في المقابل، يتم إنشاء الرموز الخاصّة بالعملات الرقمية بواسطة الأنظمة الأساسية والتطبيقات التي تم إنشاؤها على طبقة البلوكتشين الحالية، لذا فهي ليست شبكة بلوكتشين أساسية منفصلة.
يُذكر أنّ اقتصاد عملة كان قد تعرّض إلى انتقادات شديدة منذ بدايته، كما استمر في فقدان الكثير من حصته في السوق. تسبّب هذا الأمر في إصابة العديد من مالكي ومستثمري العملة الذين توقعوا استمرار في الصعود بخيبة أمل، وذلك بسبب الاتجاه الهبوطي الذي تعاني منه هذه العملة في الفترة الحاليّة (وقت كتابة هذا المقال). لكن، ما هي أسباب حدوث ذلك الانخفاض واستمراريته؟
في الحقيقة هناك عدّة أسباب مُحتمَلة لانخفاض كوين، فقد ساهمت العديد من المتغيّرات الخارجة عن سيطرة نظام الشبكة في الاتجاه الهبوطي للعملة. فعند النظر إلى وقت ظهور عملة لأول مرة، يتبيّن بوضوح أنّ سوق العملات الرقمية بأكمله كان في اتجاه هبوطي كبير. وكما هو الحال دائمًا مع أي عملة بديلة أخرى، سرعان ما أصبحت عملة مرتبطة بشكل كبير بالتغيّرات الكبيرة الحاصلة في سوق العملات المشفرة، مثل تغيّرات عملة البيتكوين. نتيجة لهذا الارتباط، أثّر الاتجاه الهبوطي للسوق على سعر، ما أدّى إلى انخفاضها والمساهمة في خسارة العملة لقيمتها السوقية.
سببٌ آخر مُحتمَل لانخفاض عملة هو بيع أكثر من 13.5 مليون مستخدم من حاملي للرموز التي حصلوا عليها عند الإطلاق، والمقدّرة بـ أكثر من 4.7 مليار رمز. فبحسب مفهوم الطلب والعرض، فإنّ الكمّية الكبيرة للعملة المشفرة المعروضة تؤثر سلبًا على قيمة العملة السوقية.
من خلال هذا المخطط، نلاحظ أنّ رمز قد وصل إلى ذروته بعد وقت قصير من الإطلاق، لتنخفض قيمته بعد ذلك تدريجيًا. كما ذكرنا سابقًا، فقد هبطت قيمة الرمز من أعلى مستوى عند 0.092 دولار لتصل إلى 0.019 دولار، بتاريخ 13 أكتوبر، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة أكثر من 75٪.
حقيقة: هل تستحق الاستثمار؟
بعد أن أوضحنا معروض العملة وأسباب انخفاضها، فإنّ التفكير في “حقيقة” والاستثمار بعملة يجب أن يكون معتمدًا على أسس وقواعد تحليلية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حركة أسواق العملات الرقمية والتقلّبات العديدة التي تتعرّض لها تظل متقلبة للغاية. بالتالي، من الصعب التنبؤ بدقة بسعر العملة أو الرمز المميز في المستقبل، وحتى من الصعب إعطاء تقديرات طويلة الأجل.
تجدر الإشارة إلى أنّ إحدى المقاييس المسؤولة عن إثارة فضول المستثمرين دائماً هي مدى صحة معلومات المشروع، حيث يمكن الاستفادة منها بغرض توقع مستقبل العملة. لكن، يمكن خداع المستخدمين عن طريق عدد المتابعين في منصّات التواصل الاجتماعية، ما يدفع الناس إلى الاعتقاد بأنّ المشروع أكثر شعبية وأنّ قوة شبكته أقوى مما هي عليه في الواقع.
إحدى الطرق المعتمدة في اختبار صحّة متابعي المشروع هي استخدام منصة TwitterAudit، فعن طريق هذه المنصّة يُمكن تدقيق الملفات الشخصية العامة لقائمة المتابعين كاملة. عند فحص حساب تويتر الخاص بالمنصة، يتبيّن أنّ المشروع يحتوي على أكثر من 350 ألف مستخدم، وقد أعطتها منصة TwitterAudit نسبة 96٪، ما يُشير إلى أنّ الأغلبية الساحقة من متابعي المنصة هم أناسٌ حقيقيون بالفعل وليست حسابات وهمية.
كما تدّعي منصة كوين كذلك بأن لديها حوالي 120 مليون مستخدم، لذا فقد قمنا بفحص هذا الادعاء عن طريق البيانات الموجودة على شبكة البلوكتشين. تُظهر البيانات الواردة من منصة التحليل على شبكة DappRadar أنّ عدد المتفاعلين مع العقد الذكي الخاص بعملة، في آخر 30 يوماً من كتابة المقال، يقرب من 900 ألف مستخدم. لكن خلال تلك الفترة، انخفض عدد المستخدمين بشكل يومي بنسبة تتراوح من 100 ألف شخص إلى حوالي 40 ألف شخص في اليوم.
قد يشير ذلك إلى أنّ معظم هؤلاء المستخدمين الذين ذكرتهم المنصة ليسوا نشطين حالياً، كما يُحتمَل أن يكون العدد المذكور من المنصة ناتجًا عن الاستخدام اليومي للتطبيق الذي لا يتطلب التفاعل مع عُقَد عملة الرقمية.
من الجدير بالذكر أنّ هذا الأمر لا يعني إطلاقًا عدم استحقاقية للاستثمار، فالمشروع ما يزال جديدًا نسبياً وقد تم رفعه إلى متجر التطبيقات في العديد من البلدان حول العالم في العامين الماضيين فقط، لذلك هناك احتمال كبير ومجال للنمو مستقبلًا.
وهكذا نكون قد وصلنا إلى خاتمة مقال “حقيقة”، فقد تكلّمنا عن مشروع عملة كوين بشكلٍ مفصّل مع تحليل شامل لخط سير العملة، على الرغم من عدم تدقيقنا في أمر التطبيق بحدّ ذاته. مع هذا، يمكنك الاطلاع على أحدث اتجاهات العملة والأخبار الأخيرة للتحليلات الفنية والأساسية المتعلّقة بها، والاستماع إلى آراء الخبراء قبل اتخاذ أي قرار استثماري. كما يجب أن تضع في اعتبارك بأنّ الأداء السابق للعملة لا يُعّد ضمانًا أكيدًا للعوائد المستقبلية.