لا شكّ أنّ مجال عملات الرقمية قد اكتسب شهرةً واسعة خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب التقنية الفريدة والجديدة نسبيًا التي يمتلكها. على الرغم من ذلك، ما يزال العديد من الأفراد متخوفون من دخول هذا المجال المستحدث بسبب جهلهم بالمفاهيم والمصطلحات الجديدة المتعلّقة به وعدم امتلاكهم للمعرفة الأساسية بشأن متطلّبات هذا النظام الجديد.
إنّ الحاجة الملحّة لإدراك واستيعاب هذا الواقع الرقمي يجب أن تبدأ بمصادر موثوقة ومتخصّصة في هذا المجال، لذا فقد ارتأينا أن نقدّم لكم بعض أفضل الخيارات المتاحة أمامكم لدراسة وفهم مجال العملات الرقمية، وذلك من خلال مجموعة من الكتب قادرة على الإجابة على جميع تساؤلاتكم المتعلّقة به.
سنبدأ رحلتنا مع أوّل وأشهر كتاب في هذا المجال، وهو كتاب “معيار بيتكوين: البديل اللامركزي للنظام المصرفي المركزي” لكاتبه د. سيف الدين عمّوص، البروفيسور الأميركي من أصول عربية، الذي يُعتبر واحدًا من الاقتصاديين البارزين. يعمل عمّوص أستاذًا جامعيًا متخصّصا في علوم الاقتصاد بالجامعة اللبنانية الأميركية، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في التنمية المستدامة من جامعة كولومبيا، وماجستير إدارة التنمية من كلية لندن للاقتصاد. يقدّم لنا الكاتب في طيّات كتابه خلاصة ما توصل إليه حول البيتكوين بإسلوب علمي بسيط يناسب جميع القرّاء، كما قد تُرجم هذا الكتاب، بسبب أهميته الشديدة في عالم بيتكوين، إلى عشرين لغة منها العربية.
يقدّم لنا الكتاب سردًا موجزًا ومتماسكًا لكلٍّ من النظرية النقدية، تاريخ النقد، الاقتصاد العملي، وتأثير السياسات على الأعمال والثقافة والاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي هذا الكتاب على واحدةٍ من أفضل التفسيرات لفوائد النقد القوي وفضائله، ولأخطار ومفاسد العملة الضعيفة، كما يفضح هذا الكتاب بشكل بارع زيف أساطير النظرية النقدية المعاصرة، ويُعرِّي الأفكار البالية التي سيطرت على مدارس الفكر الاقتصادية القائمة على النقد الورقي الحكومي منذ أوائل القرن العشرين.
إنّ كتاب معيار البيتكوين هو من أوائل الكُتب التي يُوصى بها لكل من يسعى إلى تكوينِ صورةٍ شاملة عن النظرية الاقتصادية، التاريخ السياسي، والتطورات التقنية التي قادت شبكة البيتكوين ودفعتها للنمو، وحدّدت مسارها المستقبلي.
يغطّي الكتاب في فصوله العشرة كل ما يتعلّق بحكاية المال من مفهوم النقود نفسها وتطوّرها عبر التاريخ، حيثُ يمرّ على صكّ العملات ومفهوم غطاء الذهب، ليصل إلى العملات الورقية، ويمتد إلى تطوّرات عصرنا الحالي. إضافةً إلى ذلك، ينتقل الكتاب إلى الدور الذي تلعبه الحكومات في عملية صكّ النقود، ومفاهيم الاستثمار والادخار، ويقف على بعض أساسيات الرأسمالية وحفظ قيمة المال، ويكشف أيضًا مساوئ ومحاسن النظام النقدي التقليدي.
يقوم المؤلف بشرح آلية عمل شبكة البيتكوين وأبرز خصائصها الاقتصادية، كما يقوم بتحليل استخدامات البيتكوين المُحتملة كشكل من أشكال النقد السليم. في المقابل، يناقش الكاتب بعض الاستخدامات التي لا تقوم البيتكوين بخدمتها بفعالية، مع تسليطه الضوء على أبرز المفاهيم والاعتقادات الخاطئة المرتبطة بها.
“وفي السنوات الأولى من عمل البيتكوين، قام مستخدمو البيتكوين بتشغيل عُقَد واستخدموها في إجراء تحويلاتهم الخاصة والتحقق من صحة تحويلات الآخرين في الشبكة، بحيث كانت كل عقدة تؤدي دور محفظة ومُوثق/مُعدّن، لكن تم فصل تلك العمليات مع مرور الوقت، فتخصّصت الرقاقات المدمجة المحددة برمجياً الآن في التوثيق والمصادقة على التحويلات من أجل الحصول على مكافأة البيتكوين (لهذا السبب يُعرفون بالمُعدّنين)”.
يرى الكاتب أنّ هذا الكتاب سيساعد القارئ على فهم اقتصاديات البيتكوين باعتبارها تكرارًا رقميًا للعديد من التقنيات التي لعبت دور النقد عبر التاريخ، حيث يقول الكاتب ويؤكّد: “الكتاب ليس إعلانًا أو دعوة لشراء عملة البيتكوين، بل على العكس، من المرجّح أن تبقى قيمة البيتكوين متقلِّبة على الأقل فترة من الزمن، حيث قد تنجح شبكة البيتكوين أو تفشل لأية أسباب متوقعة أو غير متوقعة، وسيتطلَّب استخدامها كفاءة تقنية، وسيحوط بها مخاطر قد تجعلها غير مناسبة للعديد من الناس”.
يهدف هذا الكتاب إلى المساعدة في توضيح الخصائص الاقتصادية للشبكة وآلية عملها دون تقديم نصيحة استثمارية، بل معلوماتٍ مفيدة للقرّاء قبل أن يتخذوا القرار باستخدامها.
في التمهيد الأوّلي لكتابه، يقول الكاتب: “فإذا كنت تعتقد أنك عندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب أن عملة البيتكوين تستحق الامتلاك! فلا يجب أن يكون استثمارك الأول هو شراء البيتكوين، بل يجب أن يكون بتمضية الوقت في فهم كيفية شراء وتخزين وامتلاك البيتكوين بشكل آمن”. يرى الكاتب بأنّه من غير المُجدي الاستعانة بمصادر خارجية أو استخدام طرفٍ آخر للوصول إلى حقيقة البيتكوين وفهم طبيعتها الجوهرية، لذا لا بديل عن المسؤولية الشخصية لكلّ من يرغب باستخدام هذه الشبكة، وهو ما يعدّه استثمارًا حقيقيًا يتحتّم عليك القيام به لتدخل إلى عالم البيتكوين.
يُعّد هذا الكتاب دليلًا شاملاً لكل مبتدئ في هذا المجال، حيث يُجيب الكاتب على أهم الأسئلة المتعلّقة بالبيتكوين ويوضّح أهم أشكال الهجمات وعمليات القرصنة.
” ففي بدايات البيتكوين عندما كانت قيمة العملة صغيرة أو معدومة، كان من الممكن سرقة الشبكة وتدميرها من قبل المهاجمين، ولكن بما أن القيمة الاقتصادية للشبكة كانت قليلة، لم يُتعب أحد نفسه بهذا الأمر. أما الآن، ومع ازدياد حجم القيمة الاقتصادية للشبكة، قد يكون ازداد معها دافع سرقة الشبكة، لكن تكلفة فعل ذلك قد ازدادت بشكل كبير ايضا، وبسبب ذلك لم تتحقق أية هجمة.”
“هجمة ال 50٪ – هي طريقة يُستخدم فيها كميات كبيرة من طاقة المعالجة لإنتاج تحويلات احتيالية ومُزوّرة وذلك عبر إنفاق العملة ذاتها مرتين!”.
ختامًا، يرى الكاتب ضرورة ملحّة لزيادة الوعي الاقتصادي بين أفراد المجتمع ليتمكّنوا من فهم حقيقة البيتكوين واستثمارها بشكلٍ حقيقي، ثم تُترَك لهم حرّية اتخّاذ القرار المناسب بتبنّي هذه التقنية الجديدة أم لا!