تعرض آلاف الأشخاص لعمليات احتيال عالمية، تقوم على عرض إعلانات للاستثمار في عملة بتكوين (Bitcoin)، تقف وراءها شركات وهمية في قبرص ووكالات بيلاروسية وإسرائيلية ومراكز اتصال في أوكرانيا.
من بين الضحايا سويدي يدعى كلاس باكمان تعرض عام 2019 لعملية احتيال استثمارية وهمية من طرف مركز اتصال يقترح استثمارات مغرية، وقد نجح المركز في إقناعه باستثمار حوالي 20 ألف يورو، ليفقد بذلك كامل مدخراته، ورغم تقديمه شكوى لا يزال التحقيق مستمرا بشأنها، غير أن أمله في استرجاع أمواله ضعيف.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوموند” (lemonde) الفرنسية، قال الكاتب داميان ليلوب إنه مثل مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم، وقع باكمان في هذا الفخ بسبب إعلان بسيط عبر الإنترنت، في سبتمبر/أيلول 2019، وقد نقر على إعلان مخصص لمنصة بتكوين ترايدر (Bitcoin Trader) لتداول العملات المشفرة الثورية، وبعد إدخال معلوماته الشخصية على المنصة، اتصل به فورا مستشار ليقنعه باستثمار 250 دولارا (ما يعادل 210 يورو).
شائع جدا
تتبع عملية الاحتيال سيناريو مألوفا جدا، في البداية، يتم إيهام الضحية بمسألة مضاعفة الأرباح بشكل سريع، وفيما بعد يسلط عليه ضغط من طرف المستشارين لإيداع المزيد من المال والاستفادة من الاتجاه التصاعدي، وبعد استثمار الضحية جميع أمواله أو عند مطالبته بسحب أرباحه، يختفي المستشارون ليكتشف الشخص أنه كان ضحية عملية احتيال.
قامت “لوموند”، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، تحت إشراف صحيفة “داغنز نيهيتر” (Dagens Nyheter) اليومية السويدية وشبكة الصحفيين في مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، إلى جانب عشرات المنافذ الإخبارية الأخرى، بالتحقيق في كيفية اختراع هذه الحيل على مدى السنوات الثلاث الماضية.
نقل الكاتب عن كلير كستانيت مديرة العلاقات مع المستثمرين والحماية بهيئة الأسواق المالية أن عمليات الاحتيال عن طريق الاستثمار الوهمي ليست حديثة العهد، غير أنها أصبحت أكثر احترافية وفعالة بشكل مخيف، ووفقا لتقديرات هيئة الأسواق المالية، التي أجرت دراسة استقصائية واسعة النطاق على مدى 18 شهرا، فإن الضرر الناجم عن جميع عمليات الاحتيال الاستثمارية في فرنسا ما بين 2017 و2018 بلغ حوالي مليار يورو، ولكن فرنسا تظل أقل تضررا من هذه الظاهرة مقارنة بدول أوروبا الغربية.
وبناء على توضيحات شخص عمل في مركز اتصال يدير عمليات الاحتيال، فإن المسؤولين عن عمليات الاحتيال المذكورة يتجنبون فرنسا، لأنهم يعتقدون أن المحققين فيها أكثر كفاءة مقارنة ببلدان الأخرى، وهو ما أكدته العديد من الوثائق.
دائرة غسل أموال معقدة
نهاية يناير/كانون الثاني، نجحت عملية مشتركة نفذها محققون من فرنسا وبلجيكا وإسرائيل، بقيادة وحدة التعاون القضائي التابعة للاتحاد الأوروبي، في تفكيك شبكة مختصة في عمليات الاحتيال الاستثمارية الوهمية كانت قد استهدفت 85 شخصا.
وقد توصل البحث إلى أن العقل المدبر لعمليات الاحتيال إسرائيلي فرنسي لجأ إلى إسرائيل عام 2012 للإفلات من عقوبة سجن صدرت ضده في فرنسا بسبب قضية احتيال في ضريبة الكربون.اعلان
ونقل الكاتب عن ماتيو فوهلين النائب الأول للمدعي العام في بوردو، الذي حقق في العديد من عمليات الاحتيال المماثلة قوله “فرنسا تصدر مذكرات اعتقال دولية بسهولة أكبر من الدول الأخرى، ولا تعتبر ملاذا مناسبا للمحتالين، غير أن الوصول إلى العقل المدبر لهذه العمليات أمر معقد للغاية، وذلك بسبب مخططات غسل الأموال المعقدة التي يستخدمها المجرمون، وبعد رصد جميع الأنظمة المصرفية الأوروبية، انطلاقا من بولندا ودول البلطيق والبرتغال، وقد غيروا البلدان بعد التفطن إلى أن عمليات الاحتيال قد كُشفت. ويتم نقل الأموال عبر قنوات في آسيا قبل أن تستقر بين أيديهم.
غسل أموال حقيقية
أضاف فوهلين “يقضي المحققون الكثير من الوقت في سبيل كشف خيوط توصلهم إلى حل القضية، ففي هونغ كونغ، على سبيل المثال، يستغرق الوصول إلى بيانات حساب مصرفي عاما بأكمله، وبعد عام، نكتشف أن الأموال حُولت إلى حساب آخر، مما يستدعي ضرورة تقديم مطلب آخر”.
وأشار إلى أن نسبة الاعتقالات لا تزال ضعيفة في مجال تستطيع فيه العديد من الأطراف كسب مبالغ كبيرة دون تحمل مخاطر كبيرة، وفي قلب عمليات الاحتيال تقع مراكز اتصال متخصصة تتخذ من أوروبا الشرقية أو روسيا البيضاء أو قبرص أو إسرائيل موطنا لها، ويعتمد عملها على سلسلة كاملة من الوسطاء.
إن الشركات المتخصصة، التي تختبئ أحيانا خلف مجموعة معقدة لإخفاء اسم الشركة الحقيقي أو أصلها الجغرافي، تقوم بتجنيد الأيدي الصغيرة التي تهتم باستهداف الضحايا، وقد تمكنت “لوموند” من الاطلاع على عقد بين شركة “ترافيكازا” (Trafficasa) الإسرائيلية المتخصصة بهذه الممارسات مع عميل بلغاري، وينص العقد على ضرورة الاتصال بالأرقام المرسلة إلى مركز الاتصال في غضون 10 دقائق من استلامها.
آلية متقنة جدا
تقدم عشرات الشركات المتخصصة في “التسويق عن طريق برنامج المشاركة التسويقي” أو “عروض سوق صرف العملات (forex)” إعلانات كاذبة وغير قانونية، في فرنسا، كما هو الحال في العديد من البلدان، لجذب المستثمرين وتحقيق عائدات خيالية.
بشكل عام، توفر الإعلانات المختلفة التي تروج لـ “علامات تجارية” مختلفة عملاء محتملين إلى نفس مركز الاتصال، وقد تمكنت “لوموند” من الوصول إلى مقتطفات كبيرة من قاعدة بيانات داخلية لمركز اتصال يُسمى “سويس كابيتال” كانت السلطات البريطانية قد أصدرت تحذيرًا بشأن انتحاله صفة شركة شرعية أخرى.
وكان مركز الاتصال هذا وراء اختلاس 20 ألف دولار من حساب باكمان، ولا يزال موقعه مجهولا، وتشير الوثيقة بشكل مفصل إلى الأنواع المختلفة من الإعلانات الخادعة المستخدمة لتجميع أرقام هواتف الأشخاص المتصل بهم، فضلا عن القنوات المستخدمة مثل قناة “بتكوين ريفولوشن” و”بتكوين كود”. كما تسلط قاعدة البيانات الضوء على ممارسات مراكز الاتصال من خلال المذكرات التي تركها الموظفون هناك لزملائهم أو رؤسائهم.
وتظهر نصوص المحادثة -التي قدمها موظف سابق من مركز اتصالات إسرائيلي إلى شبكة الصحفيين في مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد- استخدام تقنية محبوكة بطريقة تقوم على اللعب بالعواطف، مثل إخبار الضحية أن صوته لا يعكس سنه الحقيقية، وبهذه الطريقة يتم استدراج الضحية للحصول على معلومات دقيقة حول وضعه المادي.
المصدر : لوموند