في عالمنا اليوم، يسود مشهد الناس في الشوارع وهم يلوون أعناقهم، ناظرين إلى هواتفهم المحمولة لقراءة الرسائل أو متابعة الاخبار. ولكن في المستقبل غير البعيد، من المحتمل أن يتمكّن البشر من متابعة المعلومات الرقمية وتصفّح الأخبار حول العالم أمام أعينهم في مزيج من العالمين الرقمي والحقيقي، كلّ ذلك سيحدث بفضل الواقع المعزّز.
في مبنى مكتب متواضع في ساراتوجا، كاليفورنيا، يعمل العشرات من المهندسين على إدراك ذلك المستقبل، من خلال إنتاج نماذج أولية، بشكل أسبوعي، لعدسات لاصقة ذكية مزودة بدوائر الكترونية فائقة الدقة وبطاريات، في محاولة لإنتاج أصغر شاشات العرض في العالم.
ما هي العدسات اللاصقة الذكية للواقع المعزّز؟
يسعى المهندسون في شركة (Mojo Vision) لإنتاج عدسات لاصقة ذكية، مزوّدة بدوائر الكترونية فائقة الدقة وبطاريات تيتانيوم، لتشكّل أصغر شاشة عرض في العالم لاستخدامها في الواقع المعزّز. تشتمل العدسة على تسع بطاريات تيتانيوم، من النوع الموجود عادة في أجهزة تنظيم دقات القلب، بالإضافة إلى دائرة الكترونية مرنة، أدق من شعرة الإنسان، تعمل كوسط ناقل للطاقة والبيانات. كما تحتوي على مرآة محدبة قليلاً ليرتد الضوء عن عاكس صغير، تحاكي ميكانيكا التلسكوب الذي يكبر البيكسلات المكدسة في ميكرون فقط، أي حوالي 0.002 ملليمتر. من على بعد أقدام قليلة، تبدو هذه الشاشة الصغيرة وكأنها وخز من الضوء ولكن عند النظر من خلال العدسة عن كثب، يمكن مشاهدة مقطع فيديو بشكلٍ واضح وجذاب، مثل أي فيديو على الشاشة.
آلية عمل اللاصقات الذكية
عن طريق تحريك العين ببساطة، يمكن القراءة من خلال جهاز تحكم رقمي يعرض سلسلة من الكلمات أثناء عملية تحريك العين، بينما يمكن النظر في جوانب الغرفة لرؤية الأسهم التي تشير إلى الشمال والجنوب، وهي الأسهم المصممة لمساعدة المستخدمين في التنقل خارج المنزل.
للنقر على أحد التطبيقات المنتشرة حول دائرة تحوم أمام العين مباشرة، يمكن النظر ببساطة إلى علامة تبويب صغيرة بجوار التطبيق لثانية إضافية، لتظهر الأرقام والنصوص في مجال الرؤية العلوي مثل: سرعة الدراج، عرض حالة الطقس، أو معلومات أخرى عن رحلة قادمة. يتم إغلاق التطبيق بمجرّد النظر بعيدًا عن تلك المعلومات لمدة ثانية كاملة.
أهمّية العدسات اللاصقة الذكية
تسعى Mojo Vision لأن يكون للعدسة استخدامات عملية، حيث يقول ستيف سينكلير، النائب الأقدم لمدير المنتجات والتسويق الذي عمل سابقًا في فريق الانتاج في شركة Apple، إن المعلومات التي تعرضها هذه العدسة يجب أن تكون مقتطفات ضيقة للغاية وسريعة وكافية. ومع ذلك، فإن الشركة مازالت تعمل على تحديد كمية المعلومات التي قد تكون زائدة عن الحاجة، وفقًا لما ذكره سنكلير. في الوقت الحالي، تعمل الشركة على عدسة للأشخاص المعاقين بصريًا، تظهر حوافًا رقمية متوهجة متراكبة على الأشياء المحيطة بهم، لتسهيل رؤية هذه الأشياء. كما أنها تختبر واجهات مختلفة مع الشركات التي تصنع تطبيقات للجري والتزلج ولعب الغولف للهواتف، من أجل نوع جديد من عرض النشاط بدون استخدام اليدين. وفقًا لما أفاده سنكلير، يمكن للمستهلكين شراء عدسة Mojo بوصفة طبية مخصصة في أقل من خمس سنوات، وذلك بعد استحصال الموافقات من الجهات المختصة. قد يكون هذا جدولًا زمنيًا طموحًا بالنظر إلى أن مشاريع الواقع المعزز الأخرى قد تأخرت كثيرًا أو كنظارات Google التي لم ترق إلى مستوى الضجيج الذي أُثير حولها.
مستقبل منصّة الحوسبة
تحدث التقنيون لسنوات حول ما ستكون عليه منصة الحوسبة القادمة، بعد عقد من حلول الأجهزة المحمولة بديلاً عن حاسبات سطح المكتب التي شكلت سابقاً بوابتنا الأساسية للإنترنت. حيثُ يراهن مارك زوكربيرج -الرئيس التنفيذي لشركة ميتا- على الميتافيرس، وهو عبارة عن عالم افتراضي غامر متكامل يمكن دخوله عبر سماعة رأس حالياً.
يُعتقَد أن التحول الأكبر سيكون إلى الواقع المعزز، حيث تعرض النظارات أو العدسات اللاصقة معلومات عن العالم من حولنا، حتى نتمكن من رؤية العالم عبر الإنترنت والعالم الحقيقي في آنٍ واحد. ستصبح الهواتف أشبه بخوادم صغيرة تنسق جميع الأجهزة المختلفة التي سنرتديها بشكل متزايد على أجسادنا كسماعات الأذن، الساعات، وقريبًا النظارات، وهي أحدث قطعة في أحجية الحوسبة غير المرئية.
على الرغم من فشل شركة Google في تقديم عدسات لاصقة ذكية للاستخدام الطبي، إلّا أنّ شركات التكنولوجيا الكبرى تقود الكثير من التطوير حول الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيثُ أفادت بلومبرج نيوز أنّ شركة آبل تعمل على نظارات الواقع المعزز خفيفة الوزن، والتي تخطط لإصدارها في وقت لاحق من هذا العقد. كما يُتوقّع أيضًا أن يتم إطلاق سماعة رأس تعمل بتقنية الواقع المختلط، في وقت ما من العام المقبل.
رغم هيمنته الحالية على مبيعات أجهزة الواقع الافتراضي من خلال سماعة الرأس Quest 2/ الخاصة، يتسابق Facebook أيضًا لإطلاق أول نظارات الواقع المعزز في عام 2024، وفقًا لتقرير شهر أبريل في Verge.
سلبيات العدسات اللاصقة الذكية
على الرغم من كونها أعجوبة في الهندسة، وربما إحدى أهم مشاريع hardware طموحاً في Silicon Valley اليوم، لا تزال هذه العدسات بحاجة إلى جهدٍ أكبر للوصول إلى نسخة أفضل وأمثل. تُعّد النسخة الأوليّة للعدسة الذكية سميكة بشكل ملحوظ، وكبيرة بما يكفي لتمتد إلى ما وراء القزحية لتغطية أجزاء من بياض العين. فيجب على الشركة تطوير المواد الكيميائية والمركبات البلاستيكية الخاصة بها، والتي من شأنها أن تسمح لمقلة العين بالتنفس من خلال عدسة مغطاة بالإلكترونيات.
لماذا يستغرق تحقيق الواقع المعزز وقتًا طويلاً؟
يحتاج الواقع المعزز وقتًا طويلاً للوصول إلى نتائجه المرجوّة، لأنه يدمج العالم الرقمي مع الأشياء المادية المحيطة بنا في مشهد يتحرك باستمرار. تُعّد هذه مهمة معقدة تتطلب قدرًا كبيرًا من قدرة المعالجة الحاسوبية. ومع ذلك، فإنّ رغبتنا الحالية في الحفاظ على موضع قدم في العالم الحقيقي تعني احتمالية قضاء المزيد من الوقت في الواقع المعزز على المدى الطويل.
السؤال المهم هو كيف نوازن بين تواجدنا في الحياة الواقعية مع رؤية المعلومات الرقمية باستمرار؟ اليوم، قد يستغرق الأمر بضع ثوانٍ لإخراج الهاتف وتشغيل أحد التطبيقات وتنفيذ مهمة على شاشته، أمّا في المستقبل، سنتمكن من الدخول إلى التطبيق بمجرد النظر إليه لمدة ثانية إضافية. لاشك أن ذلك سيؤدي إلى طرح جميع أنواع القضايا الشائكة حول الإدمان وكيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا، حيثُ أعرب سنكلير عن جهله بكيفية التخفيف من حدّة هذا الأمر، وخصوصًا أنّ الاتجاه العام العالمي يرتكز على إتاحة الوصول الفوري إلى المعلومات.
وفقًا لما سبق، يمكن القول بأنّ استخدام العدسات اللاصقة أو النظارات، على حدٍّ سواء، سيجعل العين البشرية تشير إلى عالم يسبح في معلومات رقمية أكثر من أيّ وقت مضى. لذا، سيكون لدى أدمغتنا الكثير لتعتاد عليه.