بدأت القصة مع رسالة إلكترونية بعنوان “Bitcoin P2P ecash paper” تمّ إرسالها بشكلٍ مفاجئ إلى مشتركي قائمة البريد الإلكترونية “The Cryptography Mailing List”، ليعلن فيها ساتوشي ناكاموتو عن نشأة العملة المشفرة في أكتوبر من عام 2008. لأكثر من أربعة عشر عامًا، ظلّت شخصية ساتوشي ناكاموتو الحقيقية وهويّة مؤسس بلوكتشين البيتكوين لغزاً من ألغاز عالم الكريبتو التي حيرت الكثيرين.
من هو ساتوشي ناكاموتو؟
لا يقتصر دور ساتوشي ناكاموتو على كونه مؤسس بلوكتشين البيتكوين فقط، إذ يراه الكثيرون مؤسسًا لفكرة العملات المشفرة واللامركزية بشكلٍ عام. ورغم جميع المحاولات التي لا تعد ولا تحصى للبحث عن هوية ساتوشي ناكاموتو الحقيقية، لم يتم العثور على الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين يقفون خلف اسم ساتوشي ناكاموتو حتى الآن.
كم تبلغ ثروة ساتوشي ناكاموتو؟
من الصعب تحديد مقدار الثروة التي يمتلكها ساتوشي ناكاموتو من عملة البيتكوين، حيث يُشتبه باستخدام ناكاموتو لعدّة عناوين مختلفة على الشبكة. لكن، تشير بعض التقديرات إلى أن محافظ البيتكوين التي يمتلكها ناكاموتو قد تحتوي على ما يقارب 1.1 مليون قطعة بيتكوين، وبالتالي بالمقارنة مع مجموع قطع البيتكوين الإجمالي والذي يقدر بـ 21 مليون قطعة بيتكوين، تمثّل ثروة ناكاموتو جزءاً كبيراً من مجموع عملات البيتكوين.
البحث عن ساتوشي ناكاموتو
كما قلنا سابقًا، لا تزال هوية ساتوشي ناكاموتو مجهولة، فلا يمكن لأحد الجزم ما إن كان ناكاموتو ميتاً أو على قيد الحياة. وفي حال فُقد الوصول إلى عنوان البيتكوين الخاص بناكاموتو، سيتم فقدان مقدار 5% من إجمالي قطع البيتكوين تقريباً. في المقابل، ازدادت الشكوك لدى الكثيرين عن هوية مؤسس البيتكوين، حيثُ كثُرت عمليات البحث عن الأشخاص المحتمل وقوفهم خلف هذه الشخصية. في نهاية المطاف، تمّ حصر الأسماء المرشحة بين ثلاثة أشخاص، وهم:
دوريان ناكاموتو (Dorian Nakamoto)
ادّعت مجلة نيوزويك (Newsweek) وجود العديد من أوجه التشابه بين ساتوشي ناكاموتو ودوريان ناكاموتو، فهو أمريكيّ من أصول يابانيّة، وحاصل على إجازة في الفيزياء من جامعة California Polyethnic، كما سبق وعمل في مشاريع سرية للدفاع. يعتقد كاتب المقال بأنّ ناكاموتو لم يعد منخرطاً في البيتكوين، وإنما أسند إدارته لأشخاص آخرين.
بدوره، نفى دوريان ناكاموتو وجود أيّة علاقة تربطه ببلوكتشين البيتكوين بقوله: “ليس لدي أي علاقة بالأمر”. ورغم التضييق الإعلامي وانتهاك خصوصيته بنشر صور لمنزله، لم تكن هذه التجربة سلبية بالكامل على دوريان، فقد تعاطف معه مجتمع الكريبتو وأُقيمت حملة تبرعات بإجمالي 4.75 بيتكوين، أي ما يعادل 20 ألف دولار (وقت جمع التبرعات).
كريغ رايت (Craig Wright)
في شهر ديسمبر من عام 2015، نشرت مجلة وايرد (Wired) مقالةً زعمت فيها بأنّ ساتوشي ناكاموتو ما هو إلّا العالم الاستراليّ كريغ رايت. وفي حين أن العديد ممن اشتبه بكونهم ساتوشي ناكاموتو قابلوا هذا الإدعاء بالرفض القاطع أو الصمت، كان كريغ رايت هو الاستثناء الوحيد. فعند سؤاله عن صحّة هذا الإدعاء، أجاب كريغ رايت بالإيجاب قائلاً: “لقد شاركت في كل هذا لفترة طويلة، لكنني أحاول بأن لا ألفت الأنظار إلي”، كما أشار إلى درجاته الجامعية التي تتضمن ماجستير في الإحصاء ودرجتي دكتوراه.
تضمّنت أدلة مجلة وايرد العثور على منشور تحت اسم “Cryptocurrency paper” على مدونة رايت، والذي ظهر قبل فترة من بدأ تداول الورقة البيضاء للبيتكوين. كما ظهرت رسائل إلكترونية مسرّبة مع محامي رايت تشير إلى “سجل موزّع نظير يعمل بآلية نظير إلى نظير P2P“. بالإضافةً إلى ذلك، هناك نسخ مسرّبة من الاجتماعات مع المحامين وموظفي الضرائب تتضمن تأكيد رايت بأنه مؤسّس البيتكوين، وذلك بقوله: “بذلت قصارى جهدي لمحاولة إخفاء حقيقة أنني أعمل على إدارة عملة البيتكوين منذ عام 2009. لكن مع نهاية هذا، أعتقد بأن نصف العالم سيعلم بذلك”.
سرعان ما تم إثبات زيف إدعاءات رايت، إذ نشرت مجلة وايرد تقريراً جديداً تشير فيه إلى وجود عدّة ثغرات في قصة رايت. فقد كشف التقرير أنّ منشورات المدونة التي تمت الإشارة إليها قد تم التلاعب بتواريخ نشرها، إضافةً إلى تاريخ مفاتيح التشفير العامة المعروفة باسم PGP التي استخدمها لإثبات أنه المؤسس.
من الجدير بالذكر أنّ المؤسّس المشارك في الإيثيريوم “فيتاليك بوتيرين“، المعروف بتحفّظه الشديد على إبداء رأيه الشخصي بخصوص الكثير من الأمور في عالم الكريبتو، قد خرج عن صمته هذه المرة وأشار إلى رايت بأنه “محتال”.
رغم ذلك، حتى مع كل هذه الانتقادات التي طالته، فقد استطاع كريغ رايت الاستفادة من الضجة التي أُثيرت حوله واهتمام وسائل الإعلام الكبير الذي وُجِّه نحوه، ليحتل مكانة مميزة في مجتمع الكريبتو.
نيكولاس زابو (Nick Szabo)
يُرجع الكثير من الباحثين الفضل لنيكولاس زابو، عالم الكومبيوتر والباحث القانوني، في ريادة مفهوم العقود الذكية من خلال ورقته البحثية التي نشرها عام 1996. وفي عام 2008، وضع زابو تصوراً لعملة لامركزية أطلق عليها اسم “Bit Gold“، والتي تتشابه مع مفهوم البيتكوين، حيث تقوم على سلسلة من البتات التي تم إنشاؤها بواسطة شبكة من أجهزة الحوسبة لإنجاز المعاملات والتحقق من صحتها.
في كتابه “?Bitcon: The Future of Money“، أشار الكاتب دومينيك فريسبي (Dominic Frisby) إلى أنّ نيكولاس زابو هو ساتوشي ناكاموتو ذاته، وذلك بعد أن استشار فريسبي خبيراً في أسلوب الكتابة، والذي أكّد تشابه أسلوب زابو مع أسلوب كتابة ناكاموتو. بالإضافة إلى ذلك، فقد عمل زابو مع “DigiCash” وهي من أوائل الشركات التي حاولت توظيف تقنية التشفير في المدفوعات الرقمية.
رغم كلّ الترجيحات السابقة، لا تزال هوية ساتوشي ناكاموتو مجهولة. ومع ذلك، فقد أصبح ابتكاره واحدًا من أكثر الأصول الرقمية شهرةً في العالم أجمع، فلا يمكن لأحد إنكار أهمية الفكرة التي تقوم عليها البيتكوين أو محورية دورها في النظام المالي الحديث.