لم تكن عملة البيتكوين مثل أي عملة عادية، فمنذ نشر ورقتها البيضاء في عام 2008، أثارت البيتكوين الجدل والقلق في نفوس الكثيرين. وبينما روّج مشجعو البيتكوين لها كأول عملة تقوم على نظام نقدي جديد ومنصف، حذر الفيدرالي من الدور الذي ستلعبه هذه العملة في الأنشطة الإجرامية مع اللامركزية التي تقوم عليها وغياب الاعتراف القانوني.
جدول المحتويات
ما موقف الحكومات الدولية من البيتكوين؟
كان موقف الحكومات الدولية تجاه عملة البيتكوين متباينًا يشوبه بعض الحذر؛ إذ رأت فيها الكثير من الدول ذات الاقتصادات النامية الخلاص واعتمدتها كعملة رسمية لها كالسلفادور، على سبيل المثال. أمّا بالنسبة للدول ذات الاقتصادات الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، فكان موقفها يتمحور حول الرفض، وخصوصًا مع تحذيرات البنك الفيدرالي المتكرّرة ضد البيتكوين. سنقوم بمناقشة هذه الأسباب في الفقرات اللاحقة.
لماذا فقد نظام العملات التقليدي ثقة الناس به؟
لنفهم أسباب فقدان الثقة بنظام العملات التقليدي، يجب علينا أولاً أن نشرح الدور الذي تلعبه العملات الورقية في اقتصاد البلدان. تشير العملات الورقية إلى العملات التي تمنحها الحكومات والتي تكتسب ثقتها وقيمتها بشكلٍّ كامل من ثقة وسلطة الحكومة. فعلى سبيل المثال، تعتمد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على البنك الاحتياطي الفيدرالي، لطباعة وإنشاء الأموال لاقتصادها. يتهم مؤيدو البيتكوين البنك الفيدرالي بطباعة الأموال دون الاستناد إلى أيّ أصول ملموسة، فمن خلال التلاعب بعرض النقود في الاقتصاد يقوم البنك الفيدرالي باصطناع الأزمات.
ما هو البنك الاحتياطي الفيدرالي؟
نظام الاحتياطي الفيدرالي، أو كما يعرف اختصاراً بـ FRS، هو البنك المركزي للولايات المتحدة الأمريكية الذي يعّد كأقوى منظمة اقتصادية في العالم أجمع. تم تأسيس البنك الاحتياطي الفيدرالي بهدف تأمين نظام مالي واقتصادي آمن، مرن ومستقر. يتألف مجلس إدارة البنك الاحتياطي الفيدرالي من سبعة أعضاء، كما يوجد اثنا عشر بنكًا فيدرالياً، لكلًّ منها رئيسه الخاص، والتي تمثل قطاعات مختلفة.
يُذكر أنّ البنك الفيدرالي قد تم تأسيسه بموجب قانون الاحتياطي الفيدرالي، المُوقّع من قبل الرئيس Woodrow Wilson في 23 ديسمبر لعام 1913، استجابةً للذعر المالي الذي حصل في عام 1907 والاضطرابات الاقتصادية الشديدة التي عصفت بالبلاد آنذاك. فقبل تأسيسه، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة المالية العظمى الوحيدة التي لا تملك بنكًا مركزيًا.
هل يُشكّل البيتكوين تهديداً للبنك الفيدرالي؟
تكمن الفكرة في حد ذاتها في مبدأ اللامركزية والحرية الناتجة عنها، إذ لا يرتبط قرار زيادة أو إنقاص العملات الرقمية بسلطة أو أشخاص معينين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاعتماد على اللامركزية سيلغي حاجة الحكومات إلى البنك الفيدرالي أو غيره من الوسطاء لإدارة وتنظيم اقتصاد البلاد. فلا حاجة لوجود بنك مركزي في عمليات تداول البيتكوين، إذ يمكن إنتاج العملة من قبل أي أحد يعمل على إدارة عقدة كاملة. كما أنّ عمليات التحويل تتم من نظير إلى نظير مما يلغي الحاجة للوسطاء، وعوضاً عن الاعتماد على ثقة وسلطة الحكومة يتم الاعتماد على الخوارزميات. لا يتم تضمين أيّ معاملة في دفتر الأستاذ المركزي ما لم يتم الموافقة عليها من قبل جميع العقد الكاملة وأيّ عدم توافق في المعلومات ولو كان بسيطًا سيؤدي إلى رفض المعاملة.
أسباب قلق الحكومات من البيتكوين
هل سنصل إلى اللامركزية التامة التي يحلم بها محبو البيتكوين؟ في الحقيقة، لا نملك جوابًا قاطعًا لهذا السؤال حالياً، فما زالت الحكومات تسعى إلى فهم تأثير هذه العملة المشفرة على اقتصادها على المدى القريب. إذ تتمحور مخاوفهم حول المشاكل الثلاث التالية:
إمكانية الالتفاف على ضوابط رأس المال
غالباً ما تفرض الحكومات ضوابط على رأس المال لمنع تدفقه إلى الخارج، فالأموال الصادرة قد تخفض من قيمة العملة. يرى الكثيرون في هذه الضوابط نوعاً من الرقابة والسيطرة التي تفرضها الحكومات على الاقتصاد دون فائدة مرجوّة. وفي مثل هذه الحالات، قد تشكل طبيعة البيتكوين اللامركزية أسلوباً للتحايل على الضوابط التي تفرضها الحكومات على رؤوس الأموال.
احتمالية ارتباط البيتكوين بالأعمال غير الشرعية
في بلوكتشين البيتكوين، لا يمكن معرفة سوى عنوان المحفظة الخاص بكل مستخدم، أما تتبع مصدر المعاملة أو هوية الفرد أو المنظمة وراء كل عنوان فهو غير ممكن. لذلك، ليس من المستغرب أن يلجأ الكثير من المجرمين إلى البيتكوين في معاملاتهم المالية.
عدم التنظيم
بعد أكثر من عقد على طرح عملة البيتكوين، لا تزال الحكومات في جميع أنحاء العالم تبحث عن طرق فعّالة لتنظيم هذه العملة المشفرة. توجد بعض العوائق التي تحول دون الوصول إلى طريقة تنظيمية صحيحة، فهناك عدم معرفة كافية عن ماهيّة البيتكوين فيما إذا كانت عملة تستخدم في المعاملات اليومية أم مخزنًا للقيمة هدفه الاستثمار. أيضًا، هناك بعض الشكوك حول قدرة البيتكوين على التحوّل إلى واحدة من أصول الملاذ الآمن وقتَ الاضطرابات الاقتصادية العالمية.
وفقًا لما سبق، يمكننا القول أن البيتكوين رغم حداثته، قد شكّل الكثير من القلق والخوف للعديد من الحكومات وجعل الكثير منها تعيد النظر في أنظمتها الاقتصادية. في المقابل، تحتاج العملات الرقمية إلى المزيد من من النضوج للوصول إلى مرحلة اللامركزية التي تمكّنها من تغيير البنى التحتية للاقتصاد.